الجمعة، 19 أغسطس 2011

الخطاط الأمريكي محمد زكريا

عندما تذكر الحضارة الإسلامية .. فان اول الصور التي تتبادر الى الذهن هي زخرفة العمارة الاسلامية والتي احد اهم عناصرها هي الخط العربي .. هذا الإرث القيم والابداع الروحي والهندسي الذي برع فيه الخطاطون المسلمون . وهذا هو ما شد الفتى الامريكي عندما اصبح مسلما وهو في العشرينات من عمره ،،
انه الخطاط الأمريكي المسلم " المشهور " محمد زكريا .. والذي ولد عام 1942 بولاية كاليفورنيا بمدينة فينتورا والذي لا انكر بأنني قرأت عنه اليوم فقط وقد اعجبت بقصته واعجبت بشغفه بالخط العربي الذي جعله يغير مسار حياته ، واحببت ان اترجم قصته المذكورة في موقعه الى العربية ليتعرف اليها واليه من قد لا يحسنون الانجليزية .. لان قصته في نظري تستحق الاعجاب والفخر .



بداية الشغف والتجريب : 

يقول الخطاط محمد زكريا :
" في العام 1961 وبعد ان عدت الى لوس انجلوس من رحلتي الأولى الى المغرب ، حيث كنت اعمل مهندس ماكينات باحد المصانع الصغيرة التي تخدم قطاع الطائرات .. وفي احد الايام وانا أمر امام محل لبيع السجاد العجمي شدني الى الدخول سجادة مؤطرة ومعلقة على الحائط فسألت البائع الأرمني : ما هذا؟؟ فأجاب انها من فن الخط الاسلامي .. وهي غالية الثمن عليك ايها الصبي .ففكرت اذا كنت لا استطيع شراءها فلم لا اصنعها بنفسي ؟! وبدأت بالتردد والبحث في المكتبة المحلية فوجدت بعض صور المخطوطات القرآنية بخط الكوفي بالابيض والأسود وبضع صفحات من المخطوطات الشرقية .. وبعض الاسطر من الفرمانات ، حتى انني اشتريت نسخة غير مكتملة من القرآن المكتوب بالفارسية من بائع اناتيك ايراني .. وقمت بقطع بعض قصبات من البامبو مما ظننت بأن الخطاطين يستعملونها كما قمت بتجربة العديد من الاحبار وانواع من الورق واختبرت صعوبة نسخ هذه المخطوطات مما جعلني ارغب اكثر في تعلم الخط العربي وان اصبح خطاطا "

ويكمل الخطاط محمد زكريا قصته ورحلته لتعلم الخط العربي فيقول : " في العام 1964 كنت قد جمعت ما يكفي من المال لاسافر مجددا الى المغرب وقضيت سنتين اتنقل بين المغرب وبريطانيا ، درست العربية والفن والديانة الاسلامية بنفسي من المكتبات والمساجد، في بريطانيا درست الخط من الاعمال القديمة بالمتحف البريطاني .. والتقيت بعدها بفنان مصري يدعى علي نور حيث كان يعمل في البي بي سي بالمغرب وقد ارشدني لتعلم التاريخ الاسلامي والخط العربي من مصادره .. عدت بعدها الى لوس انجلوس للعمل مع بائع اعمال فنية .. وفي وقت فراغي كنت اعمل على الكتابة معتمدا على كتابات الخطاط البغدادي ابن البواب .. فطورت مهارتي في التذهيب والتجريب بانواع الورق والالوان الاحبار والرخام . وكنت احرز تقدما في اعمالي حتى انني كنت اجني منها المال .وبدات اتطلع الى المزيد من التقدم ..حتى اقترحت على الدكتورة اسين اتيل "Dr. Asin Atil " مسؤولة الفن الاسلامي بجاليري فرير بواشنطن ان ابحث عن المزيد في تركيا واخبرتني عن مركز الابحاث للتاريخ والفنون الاسلامية باستانبول ( ارسيكا IRCICA ) وعرفتني الى مديره اكمل الدين احسان اوغلو فرشحني للدراسة هناك .. "

البداية الفعلية :

" اذا اردت ان تحرز تقدما في تعلم الخط العربي فعليك ان تضع كل ما تعلمته جانبا وتبدأ من جديد على يد الاستاذ حسن جلبي .. اذا وافقت على ذلك فسنساعدك " هكذا قيل لي .. وهكذا بدات رحلتي الاولى الى استاذي حسن جلبي حيث كان هو امام المسجد ، الذي كان داخله من الرخام ، وكانت كل مساحة منه مزينة بخطوط وزخارف جلبي اعمال رائعة من الجلي ديواني والجلي ثلث منقوشة باتقان على الواح الرخام والاعمدة وعلى القبة كلها بالوان مدهشة ومتكاملة مع معمار المسجد والخطوط كانت ممتعة جدا للنظر ، وعندها ادركت انني امام استاذ حقيقي ."
 " بعد الصلوات كانت تبدا الدروس اعتمادا على التقنيات منذ القرن الحادي عشر الى تقنيات الخطاطين الاتراك حيث كان الاستاذ عادة يكتب خطين من خط الثلث وبينهما خطين بخط النسخ وعلى خلفية عادية  وكان الطلاب يجلسون بقربه مركزين على طريقته في الكتابة ثم ياخذونها للتدرب عليها في البيت ويعودون بما انجزوا ليراجع  معهم ويصحح لهم الاخطاء .. ويستمرون في التقليد هكذا حتى يتمرسوا ثم يبدأون في كتابتهم الخاصة التي يحصلون بها على الاجازة من معلمهم .. ولكنها البداية لتصبح خطاطا ."

كان الخطاطون يذهبون الى الاستاذ مرة في الاسبوع ويقضون معه من ساعتين الى خمس ساعات ولانني كنت سامكث شهرا واحدا فقد كنت اذهب اليه يوميا بعد العصر واعود للتدرب ليلا وعند الصباح  ، الجيد انه كان بامكاني مواصلة التعلم بواسطة البريد بعد عودتي الى امريكا وكانت لغة المراسلات بيننا هي العربية لانني لم اكن اتقن التركية كما ان الاستاذ جلبي لم يكن يحسن الانجليزية .. عندما كنت اشاهد الاستاذ جلبي يعمل كنت اندهش كيف يحرك قلمه ببط شديد وكيف يصدر قلمه صريرا عاليا . ادركت انه علي التركيز على طريقته في الكتابة وان احد مقومات نجاح الخط هو ان تجعل الحروف بنفس الحجم والشكل.

كورس الدراسة التقليدي :

بدأت دراستي كاي خطاط مبتدئ وذلك بدراسة خط النسخ والثلث وهما من اشهر الخطوط .. الجزء الأول من الكورس كان يسمى مفردات وهي وحدات لاشكال بسيطة يتضمن ما بين 15 الى 20 درسا وبعبارات مثل : ان مع العسر يسرا والبسملة بخط النسخ ثم اشكال الحروف مفردة وازواج من الحروف مثل حرف الباء والالف والباء والدال ، الدروس الاربعة او الخمس الالولى هي عادة الاصعب وقد يتم تكرارها كثيرا ربما لسنوات وما ان يجتاز الطالب هذه المفردات يبدا في المركبات حيث يتم استعمال المفردات في جمل من الاحاديث الشريفة والقصائد .. عند هذه النقطة يبدا الطلاب بتقليد كتابات الاساتذة القدامى الذين رسخت اعمالهم على مر السنين ، اذا سارت الامور جيدا تنشا علاقة حميمة بين الاستاذ والطالب فلا يتقاضى المعلم نقودا ولا يعطيه درجات وانما يستمر الطالب بالتعلم حتى يفارقه او يموت او يترك الخط ويقوم الاستاذ بتعريف الطالب الى الاستاذة الكبار من الخطاطين .. اخذني الاستاذ جلبي الى المساجد المختلفة والمقابر والمواقع الاخرى التي بها اعمال كبار الخطاطين .. 

هدف الطالب في هذه المرحلة هو اتقان ما يكتبه الاستاذ ومحاولة جعله شديد الشبه به  وتكوين بصمة خاصة به وعندما يحصل على الجازة يصبح بامكانه التوقيع باسمه على اعماله الخاصة بالطريقة التقليدية مثل : كتبه جلبي


الحصول على الاجازة:

حصل خطاطنا محمد زكريا على الاجازة من استاذه حسن جلبي في العام 1987 حيث قام بكتابة و ارسال حلية السعادة ليحصل بها على الاجازة .. وكان ان قام استاذه بكتابة الاجازة مع نكتة لطيفة وقام باخذها الى الخطاط شيخ بكر بكتين ليصدقها وقد قام بزخرفتها وتذهيبها مصطفى تلميذ جلبي واحد اساتذة التذهيب  
و قد أبدع  محمد زكريا في فن الخط العربي بانواعه المختلفة ، وكذلك في الزخرفة و التذهيب ، و هو ماهر في صناعة الأحبار على الطريقة العربية التقليدية القديمة و الصبغات الذهبية ، و هو خير من يعمل الورق المجزع الذي يسمى ( الآبرو) بألوان و أشكال بديعة . و كذلك برع في صنع الآلات القديمة مثل : الساعة الشمسية ، و الإسطرلاب العربي ، و القبة السماوية على الطراز الإسلامي ، و بعض إنتاجه معروض في عدد من متاحف العالم .هذا بالإضافة إلى مشاركاته في معارض كثيرة حول العالم منها أمريكا و دول الخليج العربي و دول عربية كما يفتخر زكريا اليوم بكتابة و تصميم  أول طابع بريدي إسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية صدر منه 75 ألف نسخة في الأول من سبتمبر عام 2001 م ، وقال عن إصدار الطابع  : " إنه أول حدث في الغرب ولا توجد هناك أي دولة غربية قامت بمثله  "


هذه هي قصة هذا الخطاط المثابر والمجتهد مع بعض الاختصار ارجو ان اكون وفقت في نقلها ليستفيد منها الجميع وتكون حافزا للمزيد من العطاء والاجتهاد .. وهذه بعض اعمال الخطاط الامريكي المسلم : محمد زكريا 









هناك تعليقان (2):

  1. مشاء الله ربنا يبارك فية ويجزية خيرا شكرا لك على المدونة الممتازة جزاك الله خيرا ....

    ردحذف
  2. ويبارك فيك اخي الكريم
    ومشكوووور على الاطراء

    ردحذف